متى يمكنني كمواطن اللجوء الي المحاكم الدولية ؟
هذا العالم يعيش حالة من الفوضى ,ونحن في العالم العربي منذ سنين نعاني مشاكل ضخمة جعلتنا نتعايش مع مصطلحات قد لا تكون مألوفة عند باقي الأمم
ولعل واحدة من هذه المصطلحات هي ضرورة التمييز بين المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية
ما الفرق بينهما؟ ومتى يمكننا اللجوء إلى كل منهما؟ الخصائص؟ بالإضافة إلى اللمحة التاريخية كلها أسئلة سنجيب عنها اليوم
باعتباري مواطنا أعيش في البلاد العربية أو أقطن بديار الغربة وقد تعودت على متابعة الأخبار العاجلة التي تتصدر منطقتنا عناوينها باعتبارها رقعة ساخنة
فقد بات من الضروري امتلاك القدرة على تمييز بعض المصطلحات وخصوصا القانونية منها من هنا كان تحديد الفرق بين المحكمة الجنائية ومحكمة العدل الدوليتين شيئا ضروريا
وبمجرد التمييز بينهما يمكننا معرفة المحكمة المختصة بالنظر بالجرائم المرتكبة خلافا للقانون الدولي وحقوق الإنسان لكن دعونا نبدأ بنبذة تاريخية عن كل منهما
فمحكمة العدل الدولية تأسست في 26 السادس والعشرين من حزيران عام 1945 ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين مقر عملها في هولاندا وتحديدا في قصر السلام في لاهاي
تتألف من 15 خمسة عشر قاضيا يتم انتخابهم من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن لمدة تسع سنوات
ويبلغ عدد الدول الأعضاء في المحكمة اليوم 193 مائة وثلاثا وتسعين دولة وهي هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة تختص بالفصل في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها عليها أجهزة الأمم المتحدة وهي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة.
أما المحكمة الجنائية الدولية تأسست في الأول من تموز من العام 2002 ألفين واثنين
وذلك بعد أن تم إقرار النظام التأسيسي لها في العام 1998 ألف وتسعمائة وثمانية وتسعين في مؤتمر الأمم المتحدة الذي انعقد في روما
مقر عملها أيضا في لاهاي في هولاندا ولكن لها الحق في أن تعقد جلساتها في أماكن أخرى
كل دولة وقعت على المؤتمر التأسيسي تعتبر عضوا فيها وهي حتى اليوم يبلغ عددها 123 مائة وثلاثا وعشرين دولة بينما سحبت الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" توقيعهما من الميثاق في العام 2018 ألفين وثمانية عشر
يتم انتخاب مدع عام لها كل تسع سنوات وحاليا يرأسها البريطاني كريم خان وهي هيئة قضائية جنائية دائمة مستقلة لمقاضاة مرتكبي أشد الجرائم بمقتضى القانون الدولي
وفي الحقيقة هي ليست منظمة من منظمات الأمم المتحدة ولكن هناك اتفاق تعاون مبرم بينهما بحيث يحيل مجلس الأمن قضايا عليها
وبعد هذه المعلومات هل استطعنا التمييز بين المحكمتين؟
الجواب قطعا لا!
لأننا سندرك ذلك بعد الإجابة عن خصائص كل محكمة على حدة وهنا سننتقل للتمييز بين اختصاصاتهما
فمحكمة العدل الدولية تتمتع باختصاص محدد يتمثل في تسوية النزاعات بين الدول هذا أولا وإصدار الفتاوى لأجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة ثانيا
لذلك تعتبر الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة وللدولة وحدها الحق في التقاضي أمامها بموجب المادة (34) الرابعة والثلاثين من نظام محكمة العدل الدولية
لا يمكن للمحكمة النظر في منازعات دولة ومنظمة دولية أو بين منظمتين دوليتين
ولعل أبرز الأمثلة على القضايا الخلافية التي رفعت أمام محكمة العدل الدولية تلك التي حدثت في العام 1980 ألف وتسعمائة وثمانين بعد أن تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بشكوى ضد إيران على خلفية احتجاز دبلوماسيين أمريكيين في طهران\
وهنا كان قرار المحكمة التالي
بغالبية 13 ثلاثة عشر صوتا
• حملت المحكمة إيران مسؤولية سلامة الرهائن
• طالبتها بضرورة حل الأزمة بشكل فوري
• اشترطت تسليمهم إلى سويسرا كدولة محايدة
• وطالبت إيران بدفع تعويضات للولايات المتحدة
إلا أن الحكومة الإيرانية لم توافق على تطبيق قرار المحكمة ولم تحل أزمة الرهائن إلا بوساطة من الجزائر حينها
أما فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية
تختص المحكمة الجنائية الدولية بالنظر في الجرائم المرتكبة من الأشخاص الطبيعيين حيث أن الشخص الذي يرتكب جريمة تندرج ضمن اختصاصات المحكمة يكون مسؤولا عنها بصفته الفردية وأن هذه المسؤولية لا تؤثر في مسؤولية الدول بموجب القانون الدولي
حيث تبقى الدولة مسؤولة عن الضرر الذي يصيب الغير نتيجة لأعمالها غير المشروعة بالتعويض
فالنظام الأساسي لا يوقع أي مسؤولية جنائية على الدول وتكون مسؤولية الدولة هنا مسؤولية مدنية فقط
ولعل ما يجب أن نعرفه هنا ما هو اختصاص هذه المحكمة بالتحديد؟
في الواقع فإن المحكمة الجنائية الدولية تقع ضمن اختصاصها أربع جرائم هي:
• الإبادة الجماعية ويقصد بها أي فعل يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه
• جرائم ضد الإنسانية وتشمل الإبادة والاسترقاق وإبعاد السكان أو النقل القسري للسكان والأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل
• جرائم الحرب ويقصد بها الخروقات لاتفاقيات جنيف لعام 1949 ألف وتسعمائة وتسع وأربعين
• وأخيرا جرائم العدوان تلك التي ترتكب أثناء عدوان من قبل دولة/ ضد دولة أخرى
وبالانتقال لناحية صلاحية كل من المحكمتين فإن محكمة العدل الدولية وعلى اعتبار أن جميع أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة هي أعضاء فيها
فهي تتمتع بصلاحيات إصدار الأحكام والحسم في حال موافقة الأطراف على النظر في القضية المعروضة أمامها
بالمقابل فإن المحكمة الجنائية الدولية تختص بملاحقة الجرائم التي ترتكب في إقليم كل دولة تصبح طرفا في نظام روما أو كان المتهم أحد رعاياها
كما لها صلاحيات ملاحقة الجرائم المرتكبة من رعايا دول غير طرف في حال وافقت الدولة غير طرف على ولاية المحكمة.
ومن الجدير بالذكر أن المحكمة الجنائية لا تعتد بالصفة الرسمية للشخص أيا كان منصبه فهو لا يستفيد من أي نوع من الحصانة امامها
ولعل أبرز القضايا التي قدمت أمامها كانت قضية توماس لوبانجا زعيم إحدى الميليشيات المسلحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية في العام 2002 ألفين واثنين وذلك بتهمة ارتكاب جرائم حرب حيث أصدرت المحكمة الجنائية حكما قضى بسجن لوبانجا 14 أربعة عشر عاما بتهمة تجنيد أطفال في الحرب
وهنا سنطرح سؤالا هل يمكن للفرد في الدولة أن يحيل القضية إلى هاتين المحكمتين؟
سبق وأن أشرنا إلى أن لكلا المحكمتين اختصاص مختلف من حيث الأشخاص إذ إن المحكمة الجنائية الدولية تختص بالنظر في الجرائم الجنائية المرتكبة من الأشخاص الطبيعيين فقط في حين تختص محكمة العدل الدولية بالفصل في النزاعات بين الدول
ولكن يمكن للفرد تقديم المعطيات أمام المدعي العام الذي له الصلاحيات في البدء بالتحقيق في قضايا تدخل ضمن اختصاص محكمته
على أن الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية مشروط بعدم انعقاد الاختصاص للقضاء الوطني حيث يمتنع على المحكمة الجنائية الدولية ممارسة اختصاصها إذا ما كانت قضية ما تخضع للتحقيق أو المحاكمة من قبل دولة لها ولاية عليه
حيث نصت المادة 20 العشرون من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على عدم جواز محاكمة أي شخص أمام محكمة أخرى عن جريمة كان قد سبق لذلك الشخص أن أدانته بها المحكمة أو برأته منها
إلا أن النظام الأساسي للمحكمة قد أوجد استثناء على المبدإ المشار إليه في حالات محددة وهي
1. إذا كانت الإجراءات في المحكمة الأخرى قد اتخذت لغرض حماية الشخص المعني من المسؤولية الجنائية عن جرائم تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية
2. إذا كانت المحاكمة لم تجر بصورة تتسم بالاستقلال أو النزاهة وفقا لأصول المحاكمات المعترف بها بموجب القانون الدولي أو جرت في هذه الظروف على نحو لا يتسق مع النية في تقديم الشخص المعني للعدالة